الفتنة في القرآن
الفتنة هي مايتبين به حال الانسان من الخير والشر.. يقال فتنت الذهب بالنار اذ احرقته بها لتعلم انه خالص او مشوب.. (التعريفات للجرجاني، ص71).
قال تعالى: (ذوقوا فتنتكم) الذاريات: 13 اي عذابكم.. وقوله: (الا في الفتنة سقطوا) التوبة: 49، (وفتناك فتونا) طه:40، اي الاختبار.. (ونبلوكم بالشر والخير فتنة) الانبياء:35، اي جعلت الفتنة كالبلاء ويدفع الانسان اليها.. (والفتنة اشد من القتل) البقرة: 193، فالقتل محدود ومؤقت، بينما الفتنة عامة وطويلة.. (واتقوا فتنة لاتصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) الانفال:25، فاقتفاء مصادر الفتنة والقضاء عليها هو الذي سيحفظ للناس حقوقهم وامنهم على المدى الطويل.. وهو الذي سيزيل العدوان ويرسم الخط الفاصل بين الظالم والمظلوم.. ويركز مثيرو الفتن على امور حقيقية موجودة على ارض الواقع الاجتماعي والتاريخي.. اذ من سنن الحياة ان ينقسم الناس الى ملل ونحل، وان تتباين افكارهم وطروحاتهم.. لكن الاختلاف امر والفتنة امر اخر.. فالاختلاف امر طبيعي يمكن حله بالاتفاق والعرف والقانون والتعايش.. اما الفتنة فهي عدوانية لاتسمح لا بالتعايش معها ولا بالقيود بها.. انها تحيل الجسم السليم الى جسم سرطاني مريض يأكل بعضه بعضا.. فيصير المسلم في اقتتال مع اخيه المسلم.. والعربي مع ابن بلده والمفكر في تضاد مع نصيره المفكر الاخر.. لذلك يركز مثيرو الفتن المعاصرة على امور حقيقية موجودة فعلا في تاريخنا لكنهم يغذونها بافكار اخرى معاصرة من شانها ان تحول اي تباين او خلاف الى فتنة.. يقول تعالى: (ان الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات) وذلك بالاساليب المتعددة التي تتحرك في دائرة الترغيب والترهيب، بالضغط على ظروفهم.. او على نفسياتهم او على علاقاتهم.. او على اوضاعهم العاطفية والشعورية او على حصول امتيازات من المال والجاه والطمع والشهوات.. فالبعض يسقط في الامتحان فينحرف.. وقد ينجح البعض فيه.. والفتنة في نظر الاسلام اشد من القتل.. لان القتل يعني الموت الجسدي.. بينما تمثل الفتنة في الدين الموت الروحي..
وفي اية اخرى ان (الفتنة اكبر من القتل)، اي الاعتداء على حرية الدين الذي يريد الله ان تحفظ وتحترم دون ضغط..
(انما اموالكم واولادكم فتنة)، يمتحن الله بها عباده، ليختبر كيف يتصرفون في اموالهم واولادهم في مواقع صاعقة، وكيف يواجهون الحالة النفسية المتجذبة الى المال، في مايمثله من الامتيازات التي يحقق بها الانسان مطامحه ومطامعه، والذي يروي به شهواته وملذاته.. ويكسب به الجاه والمنزله الرفيعة فيختبره الله في اولاده الذين هم زينة الحياة الدنيا في الفرع العاطفي.. وفي الشعور بانهم يمثلون امتدادا كيانه.. فيخيل اليه انه موجود بوجودهم، فيدفعه ذلك الى ان يعصي الله في رضاهم.. على حساب تكليفه الشرعي (انظر وحي القران بح4 ، ص189) لاشك ان الفتنة وقعت بين المسلمين مرارا لاسباب تتعلق بهم ولعوامل الخير والشر ضمنهم.. لكن الفتنة الداخلية علاجها داخلي ايضا اي ان قواها والقوى المضادة لها موجودة ضمن الواقع الفعلي لخير او شر.. اذ يكفي ان في هذه الحالة ان تنحاز قوى المجتمع الى جانب الاسلام والسلام والخير لتقضي على الفتنة ومصادرها وشرورها.. ان القوى الداخلية للفتنة اليوم هي ليست قوى محلية يدعمها الاستعمار، مثلما كان يحدث سابقا.. ولايستبعد ذلك.. وانما هي اساسا انتاج افرزته انظمة سابقة .. ودخلاء على ارضنا وفي صفوفنا.. والفتنة الاخطر في ظرفنا الراهن هي عندما يتلقى البعض اوامر وتوجيهات من اطراف دولية واقليمية وتسمح لجماعات ان تتسلل الى ارضنا.. ونؤيها في بيوتنا اننا نعيش فتنة باستدراج داخلي.. وبأدوات محلية.. اشترك بها الكثير ومن كل الطوائف والقوميات وهو مااساء لوحدة هذ المجتمع واطال في معاناته.. واعطى مبررا للاحتلال بالبقاء.. والى حركة الاعمار والبناء في التاخير والتأجيل.